الخميس، سبتمبر 03، 2015

عيد ميلاد جديد... ما زال واقفين

ورود بيضاء، حمراء، بنفسجية.. وتلك التي لم أحفظ لونها الزاهي ولا شكلها البديع كلها كانت تطوقني من كل ناحية، بعضها متناثر على سريري وبعضها الآخر ملقى على الأرضية بطريقة فسيفسائية لا نظير لها، فركت عيني من الدهشة وأرسلت بيدي كالعادة كي تمسّد شعري فاصطدمت بقوس من الياسمين يزينه، يمتد من خلف أذني اليمنى إلى خلف زميلتها اليسرى، خمنت أنه جذاب جدا...
ولأبسِّط المنظر أكثر رغم تعقيده وأضعكم في الصورة فقد كانت هناك أشكال مختلفة تنبثق منها شعلات لا يمكنني أن أصف روعتها وجاذبيتها ببضع كلمات غير أن ما يمكنني قوله هو أنها أعطت الغرفة جاذبية لا مثيل لها...
ثم شدّ سمعي الاهتزازات التي كانت تخترق أذناي، رفعت عيناي وصرخت كالمصعوقة، نزار يلقي شعرا لأجلي أنا؟
كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي..
أقولُها لكِ،
عندما تدقُّ الساعةُ منتصفَ الليلْ
وتغرقُ السنةُ الماضيةُ في مياه أحزاني
كسفينةٍ مصنوعةٍ من الورقْ..
أقولُها لكِ على طريقتي..
متجاوزاً كلَّ الطقوس الاحتفاليَّهْ
التي يمارسها العالم منذ 1975 سنة..
وكاسراً كلَّ تقاليد الفرح الكاذب
التي يتمسك بها الناس منذ 1975 سنة..
ورافضاً..
كلَّ العبارات الكلاسيكية..
التي يردّدها الرجالُ على مسامع النساءْ
منذ 1975 سنة..

أوووه لا أصدق ما أسمعه، ثم ها هو إشعار بوصول رسالة ا س ا م أس برنة صوت فيروز كالعادة، لم استعجل الأمر فقد أعطيت فيروز الفرصة لتأخذ راحتها وهي تترنم:
مرقت الغريبة عطيتني رسالة
كتبها حبيبي بالدمع الحزين
لقد أكمَلت كلماتها، هذا ما قلته لنفسي وأنا أفتح الرسالة التي لم استطع معرفة محتواها، ربما لأنها لم تصلني أصلا، أو لأنها تصر أن تضعني في الصورة الحقيقية للوضع:
فتحت الرسالة حروفها ضايعين
ومرقت أيام وغربتنا سنين
وحروف الرسالة محيها الشتي...
فركت عيني بتثاقل كي أصحصح، ثم لإزالة الدهشة السابقة صفعني هذا اليوم صفعة قوية جعلتني أقف منتصبة في مكاني وأنا أردد إنه الثالث من سبتمبر، عيد ميلادي، لقد أتى، لقد أتى...
 ينقصني فنجان قهوة كي استوعب ما كان وما لم يكن وما لن يكون أبدا في حياتي... محمود درويش رافقني إلى المطبخ كيف لا وهو جامع شتاتي ومفرقه...
وحدي أعد القهوة
وحدي أشرب القهوة
فأفقد من حياتي، أفقد النشوة...
أَ كَان عليك يا درويش أن تضعني في هذا الموقف المحرج في مثل هذا اليوم؟ أ كان عليك أن تذكرني بالذي لا يُنسى أبدا؟
لم يعد أحد يحس بأحد هذه الأيام، هذا ما قلته لنفسي وانصرفت إلى مكتبي الصغير أحاول تخليد الذكرى والاحتفال رفقة الورق...
في العام الماضي كتبت الذكرى وقلبي ينبض بدقات ابنة الثامنة عشر سنة 18، عام وحيد مضى كان كفيلا بأن يقلب الرقمين فأكتب عيدي هذا وقلبي ينبض بدقات ابنة الواحد والثمانون سنة 81 ، يحدث أن نشيخ فجأة، ولا معنى لطرح تساؤلات مثل: لماذا؟ وكيف؟ وما الذي حصل؟ قد يكون السؤال المنطقي: هل صحيح أن الخيبات المتكررة تقذف بنا إلى أرذل العمر؟
نعم فقد انتظرت فرحة تهز أوصالي...
انتظرت حلما يطير بي حين احققه...
انتظرت ألوانا زاهية تلون أيامي...
غير أنه في مكان خفي كانت تتربص بي الخيبة، لتنقض عليّ وتزيل كل الانتظارات السابقة...


ربت على كتفي، مسحت دمعة لم تنزل أبدا من عيني، ودون أن أحرك شفتي ابتسمت لنفسي وقلت بكل فخر: ما زال واقفين، كل عام وأنا بخير ...