السبت، يناير 31، 2015

هيلين كيلر أسطورة تحدي... ومعجزة نبوغ!!


«"عندما يُغلق باب السعادة، يُفتح آخر ، ولكن في كثير من الأحيان ننظر طويلا إلى الأبواب المغلقة بحيث لا نرى الأبواب التي فُتحت لنا".»
***
حين شارفتُ على الإنتهاء من قراءة كتاب "قصة حياتي العجيبة" طرِح عليّ سؤال: هل اكتشفتِ سر عظمة المرأة أم ليس بعد؟
هذا السؤال كنت قد طرحته على نفسي منذ سنوات، أي منذ سمعت يوما أن هناك فتاة من القرن التاسع عشر قد تحدت الإعاقة لتكون عظيمة... بالنسبة للإعاقة كنت أعرف انها الصمم والعمى أما بالنسبة للعظمة فقد بقي يشغل بالي سرها وإن عرفت أنها تمثلت في تخطي الصعاب ودحر اعاقتها لتكون المرأة المعجزة...


 


أثناء، وبعدما فرغت من قراءة الكتاب اكتشفت ان عوامل النبوغ والعظمة تمثلت بلا شك في:
_ إرادة فولاذية.
_ أسرة متفهمة
_ معلمة فذة، عبقرية ( ولها يعود أغلب الفضل إن لم يكن كله إذا تخيطنا إرادة هيلين)
_ مجتمع مختلف ( مختلف تماما عن المجتمع العربي).
وقبل الحديث عن الارادة الفولاذية والاسرة المتفهمة والمعلمة العبقرية سأتجاهل المجتمع كي لا أدخل في مقارنات مللناها، ولأن محيطها سيحكي عن نفسه بنفسه.


أسرة تبحث عن اشعال فتيل نور انطفأ بغتة ...
ولدت هيلين كيلر في اليوم ال27 من شهر يونيو 1880 بألامبا إحدى ولايات الولايات المتحدة الأمريكية..
ميلادها كان كميلاد أي طفل عادي غير أن الشهر التاسع عشر من حياتها كان مختلفا عما مضى، فقد اظلم العالم أمام عينيها واسدل الستار على اشهر قلائل كانت تنعم فيها بحياة عادية، لتدخل مرحلة يصعب على أي انسان تصور نفسه يحياها...
آمارات الذكاء كانت بادية على ملامح الطفلة منذ أشهر ميلادها الأولى، غير أن المرض والحمى اللعينة التي فتكت بأهم حاستين يمتلكهما الانسان قد جعلتها مجرد جسم مجرد مما يدور حوله، ومن الجيد أنها وجدت عائلة مثل عائلتها تهتم بها طوال الوقت وتسهر على راحتها، فتقدم لها كل ما تحتاجه و تولت ارشادها، لكن نفسيتها كانت تسوء يوما بعد يوما وتذمرها يزداد كلما فهمت معنى الظلام الذي اضحت تعيشه.
تقول هيلين كيلر: " ليس بمقدوري أن اتذكر ماذا حدث في أثناء الشهور الأولى التي اعقبت مرضي، لكن أذكر أنني كنت أمكث بين ذراعي أمي أو أتعلق بثيابها حينها كانت تؤدي أعمالها المنزلية، وان يدي كانتا تتحسسان كل شيء وتستشعران كل حركة، وبهذه الكيفية أمكنني ان اتعلم الكثير من الاشياء وسرعان ما صرت أشعر بالحاجة إلى الحديث مع الآخرين، وبدات بعض الايماءات تصدر عني، فكانت هزة الرأس تعني "لا"، وطأطأة الرأس تعني "نعم"، والجذبة باليد تعني "تعال"، والدفعة تعني "اذهب". وحين كنت أريد خبزا كانت تصدر عني الحركات الدالة على تقطيع الخبز وتغطيته بالزبد، وحين كنت أرغب في تناول "الآيس كريم" كنت أؤدي بيدي الحركة الدالة على تشغيل جهاز التجميد وأرتعش للتدليل على البرودة. وقد نجحت أمي في جعلي أفهم قدرا كبيرا من الأمور".
عرضعتها عائلتها على كل طبيب التمست فيه أمل شفائها، وكان الدكتور أليكس غراهام بل" نقطة الفصل، وسكة العبور من سجن الظلام إلى فسحة النور، هذا الطبيب الشهير نصح والد الفتاة حين سافر هذا الآخر بابنته ليفحصها لديه، نصحه بالكتابة إلى مؤسسة "بركنز" وهي مدرسة للمكفوفين تم فيها منذ زمن معالجة فتاة عمياء، صماء... وقد تلقى رد بأنهم وجدوا معلمة لهيلين.. كان ذلك في صيف 1886 لكن الآنسة "آن سوليفان" لم تصل إلا شهر مارس التالي.
***

بين المعلمة والتلميذة معجزة نبوغ...



مجيء الآنسة "آن مانسفيلد سوليفان" كان نقطة الفصل بعدما بسطت لها اليد التي انتشلتها من عالم الظلام الى عالم النور، كان ذلك يوم 03 مارس 1887 قبل أشهر من بلوغها السابعة من العمر، وللإشارة فإن الآنسة "آن" التي لم تتعد عشرين عاما وهي تشغل هذه الوظيفة، عاشت منذ ميلادها ظروف مزرية مع اليتم والفقر المدقع، فتم ارسالها رفقة اخيها إلى ملجئ للأيتام، أخوها الذي لم يتحمل الوضع المزري قضى نحبه في حين كادت تصاب هي بالعمى فانخفض بصرها وهي ابنة ال 14 سنة، ارسلت خلالها إلى معهد "بيركنز" هناك تم تعليمها القراءة عن طريق الاصابع، وكان القدر لطيفا معها ليتحسن بصرها، لتكرس بصرها وسمعها وكل حياتها فيما بعد لأجل هيلين.

"هل حدث يا عزيزي القارئ أن كنت في أعماق البحر وسط ضباب كثيف وبدا لك أن ظلاما أبيض يحاصرك، وراحت السفينة الكبيرة التي تحملك تتحسس طريقها بحذر وفي قلق نحو الشاطئ؟ لقد كنت قبل أن يبدأ تعليمي تائهة مثل تلك السفينة، فيما عدا انني لم أكن أعلم أين يقع الشاطي.
كان أهم يوم في حياتي على ما اذكر هو ذلك اليوم الذي جاءت فيه معلمتي الآنسة "ان سوليفان" وانني ليملأني العجب حين أفكر في الفوارق بين هذين الشطرين من حياتي اللذين تم وصلهما في ذلك اليوم 3 مارس سنة 1887 قبل ثلاثة شهور فقط من بلوغي السابعة من عمري"
وقد دأبت المعلمة منذ وصولها على تعليم هيلين فبدأت تلقنها تهجية الكلمات عن طريق أبجدية الأصابع ومع مثابرة المعلمة وحب التلميذة للتعلم زادت عدد الكلمات التي تعلمتها هيلين وأصبح الأمر غاية في المتعة بالنسبة لهذه الطفلة التي كانت روحها دائما تطلب المزيد رغم أن هناك كلمات ليست سهلة الفهم بالنسبة لها.
وبقيت الكلمات الغير ملموسة عائقا كبيرا أمام هيلين حيث تطلَّب تلقينها وتعلمها نوعا خاصا من الذكاء، وهنا مثلا تذكر تجربة لفهم كلمة "حب" فرغم صغر الكلمة وبساطتها وسهولة فهمها لأي انسان غير انها استنزفت الكثير من هيلين كي تعي معناها:

" وعلى سبيل المثال فإنني أتذكر ذلك الصباح الذي سألت فيه لأول مرة عن معنى كلمة "حب" وكان ذلك قبل أن أتعلم الكثير من الكلمات. ودعوني أحكي لكم هذه الواقعة: فقد وجدت بعض أزهار الربيع المبكرة الظهور في الحديقة فأحضرتها إلى معلمتي، فحاولت بدورها أن تقبلني كنوع من التعبير عن الامتنان لكني في ذلك الوقت لم أكن أرغب في أن يقبلني أحد فيما عدا أمي. فأحاطتني الآنسة سوليفان بذراعيها برقة ولطف وتهجت على أصابعي الكلمات التالية "أحبك يا هيلين" فسألتها: "ما هو الحب؟" فجذبتني لتقربني إليها أكثر وقالت "إنه هنا" وأشارت إلى قلبي، فحيرتني كلماتها الغامضة كثيرا لأنني في ذلك الوقت لم أكن أعرف أي شيء مالم يكن باستطاعتي أن ألمسه.
ورحت اتشمم الأزهار في يدها وأسألها تارة بالكلمات وتارة بالإيماءات سؤالا معناه: "هل الحب هو الرائحة الجميلة للأزهار؟"
فقالت معلمتي: "كلا"
ففكرت ثانية، وكانت الشمس تسطع علينا في ذلك الوقت، فأشرت في الاتجاه الذي يجيء منه الدفء وسألتها ثانية: "هل هذا هو الحب؟"
بدا لي وقتها أنه من غير الممكن أن يكون هناك شيء أكثر جمالا من الشمس التي تشع الدفء فتجعل كل شيء ينمو ويزدهر، لكن الآنسة سوليفان هزت يدها إشارة إلى النفي، مما جعلني أصاب بحيرة كبيرة وأشعر بالاحباط. وذهب في تفكيري إلى أنه أمر غريب للغاية ألا تستطيع معلمتي أن توضح لي ماهو الحب.
وبعد ذلك بيوم أو أكثر كنت أنظم مجموعة من الخرزات المختلفة الاحجام في خيط، وقد اتبعت في ذلك طريقة معينة هي أن انظم خرزتين كبيرتين ثم ثلاث صغيرات، ثم اثنين كبيرتين، فثلاث صغيرات... وهكذا، وقد وقعت أثناء ذلك في الكثير من الأخطاء، فأخذت الآنسة "سوليفان" تشير إلى أخطائي مرة بعد مرة في صبر وأناة ولطف، فمضيت بعناية واهتمام أكبر أبذل محاولات أخرى لأتمكن من نظم الخرزات بالطريقة الصحيحة، وقد شجعتني الآنسة سوليفان بأن لمست جبهتي وتهجت على أصابعي فعل الأمر "فكري".
وفي ومضة مفاجئة عرفت أن الكلمة هي اسم لما يدور في رأسي، وكانت تلك المرة الأولى التي أتهم فيها بوعي تام اسم شيء معنوي لم يكن باستطاعتي أن ألمسه بيدي.
ومكثت هادئة لفترة طويلة لم أكن خلالها أفكر في الخرزات التي في يدي، بل كنت أحاول أن أجد معنى كلمة حب، لانني عرفت ساعتها ذلك النوع من الكلمات الذي تنتمي إليه.
وكانت الشمس مختفية وراء السحب طوال ذلك اليوم، وانت هناك زخات قصيرة من المطر، لكن الشمس سطعت فجأة بكل الروعة التي تعرفها بها ولايتنا "ألاباما" الواقعة في الجنوب الأمريكي.
ومرة أخرى عدت لأسأل معلمتي "أليس هذا هو الحب؟"
فأجابتني "الحب شيء مثل السحب التي كانت في السماء قبل أن تسطع الشمس". ثم راحت تشرح قائلة "إنك يا هيلين لا تستطيعين أن تلمسي السحب، وانت تدركين ذلك، لكنك تشعرين بالمطر وتعرفين كم تكون الأزهار والأرض العطشى سعيدة حتى يصل إليها ماؤه بعد يوم حار. وانت لا يمكنك كذلك أن تلمسي الحب، لكنك تعرفين المشاعر الحلوة التي يبثها في كل شي، فبدون المشاعر الطيبة لن تكوني سعيدة أو تكون لك رغبة في اللعب"
صار عقلي مليئا بالحقيقة الجميلة، وشعرت بالأواصر غير المرئية التي تربط بين روحي و أرواح الآخرين"...
ومن التهجئة تطورت قدرات هيلين إلى القدرة على القراءة ومن ثمة تعلم الحساب رغم انه لم يكن يروق لها لصعوبات وجدتها فيه، وكانت معلمتها السند والمحفز الدائم لها فكانت لا تفارقها ابدا حتى في أيام السفر...
الحدث الأبرز في حياة هيلين إن صح التعبير هو تعلمها الكلام وكان ذلك في شتاء 1890، وقد تطوعت الآنسة "سارة فوللر" رفقة الآنسة "سوليفان" تعليم هيلين الكلام فشرعت في ذلك يوم 26 مارس 1890.
"تتلخص الطريقة التي اتبعتها الآنسة فوللر في تعليمي الكلام فيمايلي: كانت تمرر يدي بخفة على وجهها وتجعلني أتحسس وضع لسانها وشفتيها كلما أصدرت صوتا. ورحت أحاول بكل شوق أن افعل كل شيء بنفس الطريقة التي تفعلها بها، وفي ساعة واحدة تعلمت ستة أصوات هي م، ب، أ، س، ث، ي وبلغ عدد الدروس التي تلقيتها على يد الآنسة فوللر أحد عشر درسا، ولن أنسى ما حييت الدهشة والسرور اللتين شعرت بهما حينما نطقت بأول جملة كاملة ومتصلة 'الجو دافئ it is warm '
لم تكن كلماتي واضحة للغاية أو سهلة الفهم، لكنها كانت كلاما بشريا على أية حال "

= هنا فيديو رائع يشرح الطريقة:
http://www.youtube.com/watch?v=Gv1uLf...

******

في المدرسة... جرعة أخرى من التحدي

التحقت هيلين عام 1896 بمدرسة كيبردج كي تستطيع تحقيق حلم الإلتحاق بالجامعة فيما بعد وتنافس فتيات قادرات على السمع والإبصار، وهنا أيضا كانت الآنسة "سوليفان" ترافقها إلى حجرات الدرس كي تتهجى لها على يدها ما يقوله المعلمون الذين كانوا يجهلون كيفية التعامل مع الصم والمكفوفين.
اجتازت هيلين الامتحانات التي تؤهلها للالتحاق بكلية راد كيلف وكانت في مواد عدة كالفرنسية، الانجليزية، الالمانية، اللاتينية، التاريخ الاغريقي... ، وفي أول امتحان نجحت في جميع المواد مع الحصول على درجة الشرف في اللغتين الألمانية والانجليزية...

"وربما كان من الأفضل أن أوضح للقراء الطريقة التي اتبعتها في اداء الامتحانات، فقد كانت أوراق الأسئلة توزع على الساعة التاسعة في جامعة "هارفارد" فيقوم رسول خاص باحضارها إلى كلية رادكليف، وكان لكل طالبة رقم جلوس خاص، فرقم جلوسي مثلا هو 333، لكن نظرا لكوني استخدم آلة كاتبة فقد كانت ورقتي مميزة ومعروفة... والطريف أني كنت أؤدي الإمتحان في غرفة مستقلة لئلا يزعج ضجيج آلتي الكاتبة البنات الأخريات ويؤثر على مقدرتهم على الإجابة، واعتاد المستر جيلمان أن يقرأ عليّ أسئلة الامتحانات باستخدام أبجدية الأيدي، وكان يتولى حراسة الباب حارس خاص ليحول دون تعرضي للإزعاج
" .

غير أن ظروف التمدرس لم تعد مواتية فيما بعد بسبب تمديد فترة الدراسة لهيلين من سنتين إلى خمس سنوات قبل ولوجها الجامعة، ولذلك قررت رفقة معلمتها اتمام دراستها منفردة بعيدا عن اسوار المدرسة ليتحقق حلمها بالذهاب إلى الجامعة خريف سنة 1900 .

"كانت بداخلي قوة هائلة تدفعني وتجعلني راغبة في مواجهة ذات الصعاب والاختبارات التي يواجهها عادة أولئك القادرون على السمع والبصر وقد نصحني أصدقائي ألا احاول ذلك، بل إنه حتى قلبي الذي بين ضلوعي كان يحاول في بعض الأحيان إقناعي التخلي عن تلك الرغبة الملحة، وكنت أدرك تمام الإدراك أنني في سبيلي لمواجهة أمر ليس باليسير، ومن ثم عزمت على قهر كل الصعاب، وترسخ في نفسي الشعور بأنني قادرة على التعلم بنفس القدر الذي يمكن أن يتعلم به أي شخص قادر على الرؤية والسمع، فكل الفارق بيني وبينهم أن ظروفي كانت تحتم علّ تحصيل المعرفة بطريقة مختلفة

"

وعن الصعوبات التي واجهتها تقول:

" كثيرا ما سألني الناس كيف أتغلب على الصعوبات التي اعترضت مسار دراستي في الكلية... وها أنذا أجيب، فمن الناحية العملية كنت بالطبع وحيدة في الفصل وكان الأستاذ بعيدا عني كل البعد كما لو كان يتحدث إليّ عن طريق الهاتف وكانت المحاضرات تترجم لي بالهجاء على يدي بأسرع ما يمكن، ومن ثم كانت الشخصية الذاتية للأستاذ تغيب عني بحكم عدم تواصلي معها، فالمحاضرات كانت تترجم لي بالطريقة التي يمكنني فهمها بسرغة بالغة، والافكار كانت تتدافع إلى رأسي كما تتدافع الكلاب حين تطارد أرنبا.. فهي في بعض الأحيان لا تستطيع ملاحقته، لكن لست اعتقد أنني من هذه الناحية كنت أسوأ حالا من سائر الفتيات اللائي كن يدوّن المحاضرات. فحين يكون العقل مشغولا بعملية الرؤية وملاحقة الكتابة على الورق بأسرع ما يمكن فلا أعتقد أن المرء حينئذ يكون بوسعه أن يولي قدرا أكبر من الإهتمام بالموضوع أو بالطريقة التي يقد بها. و أنا بصفة خاصة لم يكن بمقدوري الكتابة أثناء المحاضرات لأن يديّ كانتا مشغولتين بعملية السمع.. وعادة كنت أقوم بكتابة ما يمكنني تذكره في نصوص المحاضرات حين أعود إلى المنزل، كما كنت أقوم بكتابة حلول التمارين ومواضيع الإنشاء وإجابات الاختبارات والامتحانات على آلتي الكاتبة مما كان يتيح للأساتذة أن يكتشفوا دون أدنى صعوبة أنني لا أعرف سوى القليل. وكنت أستخدم آلة كاتبة من نوع يمكن تغيير نمط حروفه، وكان لديّ يونانية وعلامات ورموز رياضية ومجموعة من الحروف مزودة بالنبرات الفرنسية، وبدون مثل هذه الآلة الكاتبة أشك أنه كان بمقدوري الكتابة أصلا.
ولم يكن متوافرا في طبعات برايل سوى القليل جدا من الكتب التي كنت بحاجة إليها في مجالات الدراسة المختلفة، ومن ثم لم يكن يتسنى لي معرفة محتوى الكتب الباقية إلا عن طريق قيام شخص بتهجيتها لي على يدي، ولهذا السبب ذاته كنت بحاجة إلى وقت أكبر في استذكار دروسي مما تحتاج إليه زميلاتي الأخريات، وفي بعض الأحيان كنت أشعر بحزن شديد على حالي حين اجد نفسي مضطرة لإنفاق ساعات طوال في قراءة عدد قليل من الفصول، بينما كانت الفتيات الخريات ينعمن بالضحك والمرح غير بعيد عني. ومع ذلك حرصت دائما على تبديد تعاستي بالضحك منها لأني كنت أدرك كل الغدراك أن كل امرئ راغب في تحصيل المعرفة الحقيقة لابد من أن تكون لديه من الصعوبات ما يتعين عليه مواجهتها وحده. فليس هناك طريق سهل معبد بالمعرفة بل الطريق الها وعر منحدر ينبغي علّ تسلقه بكل ما لدي من مقدرة وبأفضل طريقة استطيعها".


***

هوايات هيلين...
هيلين لم تكن منكبة على الكتب والتعلم فحسب، فللرياضة وانشطتها حصة من حياتها التي صنعتها لتكون جميلة ومبهرة.
كما ان ما كانت تقوم به بقية البنات لم يكن غريبا ولا بعيدا عنها، فقد كانت تحب حياكة الصوف 'التريكو' وشغل الابرة 'الكروشي' ...
كما أن زيارة مراكز البحوث وحال البيع كان من اهتماماتها...

"ومن دوافع سعادتي أيضا زيارة مراكز البحوث ومحال البيع، وربما يتعجب بعض الناس من مقدرتي على التمتع بجمال الأشياء من خلال حاسة اللمس فقط، وقد يجدون في ذلك أمرا مستغربا، لكن أناملي حين تتحرك على خطوط ومنحنيات العمل الفني وتتحسسه يصبح بمقدورها اكتشاف ما أودعه الفنان في ذلك العمل من أفكار ومشاعر، إنني قادرة على الإحساس بمشاعر الحب أو الكراهية وامارات النبل والشجاعة، تماما كما انا قادرة على الإحساس بكل ذلك في وجوه الاحياء من البشر الذين يتاح لي أن ألمس وجوههم".

***
.
هيلين في أحضان الكتب...

من الحقائق التي لا يمكن لأي انسان تجاهلها هي لذة وجود كتاب يرافقه دائما، ومن الفتن التي نهواها جميعا فتنة الكتاب، وهيلين من هذه الناحية لم تكن تختلف عن أي مبصر فقراءة الكتب كانت شغفها، وقد تحدثت في كتاب "قصة حياتي العجيبة" عن جملة من الكتب والكتّاب التي قرأتها وقرأت لهم، وكان للبعض التأثير العميق في قلبها بين البعض الآخر لم تكن سوى كتبا عابرة ككتاب "لافونثان"
ومن الكتب التي قرأتها واستهوتها:
_ الرسالة القرمزية، أول ما قرأت وهي ابنة الثماني سنوات.
_ اللورد فونتلروي، وكان هدية من الآنسة سوليفان وتقول هيلين أنه من احب الكتب إلى قلبها.
_ أبطال الإغريق، كتاب العجائب لهوثورن، قصص من الثوراة، اعمال شكسبير، ألف ليلة وليلة، نساء صغيرات، هايدي، الإلياذة وغيرها الكثير بالاضافة إلى كتب التاريخ المختلفة...
ودرست بشكل معمق الأدب الألماني، والفرنسي...

"بالنسبة لي، ففي عالم الأدب ليس هناك فرق بين أن أكون مبصرة قادرة على السمع وبين أن أكون كفيفة صماء.. فأصدقائي من الكتب باستطاعتهم دائما أن يتحدثوا معي بكل حرية وبدون تفرقة أو تمييز".

***
.
هيلين الكاتبة...

بعدما شارفت على نهاية قراءة كتاب قصة حياتي العجيبة تيقنت أن هذه المرأة بوسعها أن تعمل كل ما هوعظيم، فقد تحدت تلك الكتلة الصماء البكماء، العمياء التي كانتها لتضحي امرأة تعي كل ما يدور حولها، وكتابها "قصة حياتي العجيبة" الذي كتبته خلال مرحلة دراستها الجامعية ذو القيمة التي لا تقدر بثمن كان أجمل ما كتبت ...
من مؤلفاتها:
(العالم الذى أعيش فيه ) , (أغنية الجدار الحجرى ) , ( الخروج من الظلام) , (تفاؤل ) , ( ايمانى ) ، (الحب والسلام) ،( فلنؤمن) و (هيلين كلير فى اسكتلندا) وغيرها , وترجمت كتبها إلي 50 لغة
https://www.goodreads.com/author/list...

***
حول العالم قامت هيلين كيلر بزيارة إلى 35 بلدا في القارات الخمس بين 1939 و 1957 , والتقت بالكثير من الشخصيات السياسية والاجتماعية المعروفة . قامت بزيارة الجرحى والمصابين و عندما تعجب الناس منها ، قالت لهم : إني أستطيع أن انتقل وأنا عمياء وصماء وأنا سعيدة لأني أصبحت أقرأ أعمال الله التي كتبها بحروف بارزة لي ، فدائما عجائبه ومحبته تشملني

***

الأنشطة السياسية... (حسب ويكيبيديا)
أصبحت هيلين كيلر متحدثة وكاتبة مشهورة حول العالم كما انها اصبحت محامية للاشخاص ذوي الاعاقة لأسباب عدة كما انها كانت تنادي بحق المرأة في الاقتراع واحد الدعاة إلى السلام واحدى خصوم وودرو ويلسون صاحب الفكر الاشتراكي الراديكالي والمؤيد لتحديد النسل وفي عام 1915 قامت بتأسيس منظمة هيلين كيلر الدولية (HKI) بمساعدة من جورج كيسلر وقد كرست هذة المنظمة لأبحاث المتعلقة بحاسة البصر والصحة والتغذية كما ساهمت في عام 1920 في تأسيس الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية )ACLU( وقد سافرت بصحبة معلمتها سوليفان إلى العديد من البلدان الغربية كما قامت برحلات عدة لليابان حتى اصبحت احدى الشخصيات المفضلة لدى اليابانيين وقد التقت هيلين بالعديد من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية بداية بالرئيس غروفر كليفلاند وانتهاء بالرئيس ليندون جونسون بالاضافة إلى الصداقات التي كانت تربطها بالعديد من الشخصيات المشهورة امثال الكساندر غراهام بيل و تشارلي شابلن و مارك توين وفي مطلع القرن العشرين تم اعتبار هيلين كيلر ومارك توين متطرفين ونتيجة لذلك فقد تم نسيان ارائهم السياسية او تم التغاضي عنها في التصورات السائدة.

الأربعاء، يناير 28، 2015

من قال أننا لا نحب بعض، ولا نتضامن مع بعض ... كاذب :)

من قال إننا لا نحب بعض فهو كاذب ومفتر، ويريد زرع الفتنة والتشتت بين بعضنا البعض، نحن البشر نحب بعضنا البعض لدرجة لا يمكن لأي عقل تصورها وهذا الحب ليس نابعا من العبث بل صورة التضامن التي يتم رصدها بكل ارتجالية ، فمن خلال مشاهدتك اليومية لهذا الحب سيتجلى لك في صور التقطت بطريقة تجعل قلوب العالم تدمع...
وكمثال بسيط فإنه قبل مدة ليست بالطويلة وخلال تنقلنا من مدينة إلى مدينة استغرقنا وقتا أطول من السفر من بلد إلى بلد آخر،  ركن المسافرون سياراتهم فجأة وهرعوا مهرولين إلى مكان كانت فيه سيارة مقلوبة رأسا على عقب، وعائلة مكونة من أب وأم وثلاث أطفال ملامحهم أختفت تحت الدماء التي غطتهم، وقد جعل هول الصدمة الجميع يتأثر لدرجة أن كل واحد أخرج هاتفه النقال وأخد يلتقط صورا ويسجل فيديو يصور فيه هول الحدث قبل أن تتدخل الحماية المدنية وقوات الشرطة لتفضَّ هذا التضامن الغريب...
 التضامن لم يتوقف هنا فحسب فقد تم نشر الصور مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع من الصفحات، واليوتيوب الذي كان له حصة الاسد بمقاطع الفيديو، والجمل المرفقة بكل صورة هي تلك الجمل الفريدة من نوعها التي طغت وانتشرت بشكل سريع لدى شعبنا العربي الحنون، "اضغط لايك وقل الحمد لله"، " ان لم تنشر الصورة فإن الشر هو الذي منعك" ، " اذا كنت تحب الله فعلق على الصورة" ... ولأن الجميع يحب الله ويريد أن يثبت أن بذرة الحب لم تمنعه من الاعجاب فإنهم يعجبون ويعلقون بل ويشاركون الصورة بكميات هائلة، والأمر لا يقتصر على هذا الحادث الذي أدرجته كمثال بسيط جدا، الامر تعداه للتسابق بعرض جثث الأطفال المشوهة، بتصوير أدق التفاصيل المؤلمة من أجل الحصول على لقب" أحسن مصور" أو " أحسن صورة" ... هذا هو التضامن والحب في أوج عطائه المخزي ...

الثلاثاء، يناير 27، 2015

كيف أدرك العالم؟



عنوان الكتاب: كيف أدرك العالم؟
الكاتب: أولغا سكوروكووفا .
عدد الصفحات: 529 صفحة
تاريخ القراءة:   19- 25 جانفي 2015
التقييم: 5 نجمات.

كنت أجهل مسبقا وقبل أن تقع عيني على كتاب " كيف أدرك العالم" أن هناك امرأة عمياء ،صماء، بكماء، انبثقت من المعاناة لتتربع على عرش العظمة باستثاء هيلين كيلر طبعا... غير أن معلومتي هذه تعرَّت نهائيا بعد قراءتي لكتاب أولغا لتكشف عن امرأة فولاذية فذة عرفت كيف تزيح الأشواك التي غرسها المرض لتنثر ورودا فاح عبيرها في كامل انحاء العالم...

في هذا تحكي العالمة الروسية اولغا عن حياتها بدءا بميلادها ثم مرضها وعماها بعد سنوات قليلة وصولها الى كفاحها ضد عماها وصممها وقدرتها الفائقة على تواجز المحن والصعوبات لتغدو امرأة ناجحة وباحثة شهيرة...
تجعلنا اولغا نعيش جانبها النفسي والمعنوي وتأخذنا لمكامن روحها عبر طريقة سردها وتقسيمها للكتاب بشكل جذاب غير انه قد يراه القارئ مملا بعض الشيء كما حدث معي في أول قراءة...
كتبت اولغا العديد من البحوث وزارت العديد من المتاحف ودور السينما والمسرح، كما قرأت لكبار الكتاب الكلاسيكيين والمعاصرين وتواصلت معهم وقد تكون الرماسلات التي كانت تتم بينها وبين الروسي الشهير غوركي خير مثال على سعة ثقافتها وعلى تصميمها واصرارها للوصول لمثل هذه المراتب وقد اثنى عليها غوركي كثيرا وعلى ارادتها القوية وهو القائل في احدى رسائله:

أتذكرك كما أتذكر رمزا للطاقة والحيوية، على الرغم من كل العوائق الجسدية فإن شخصيتك يا أولغا تمثل لي رمزا لقدرة العقل على فعل المستحيل"

ولوعها بالشعر ايضا فقد كتبت اولغا عدة قصائد اخترت منها هه القصيدة التي قد تجيب على الكثير من التساؤلات العالقة في اذهان الكثيرين الماعطشين اكثر لسبر اغوار عالم العميان...

ويساءل الناس من ذوي الآذان المرهفة
القادرين على تأمل ضوء القمر وشعاع الشمس:
ماذا يمكن أن تقوله عن هذه الروائع؟
وماذا يمكن لصماء أن تسمعه من نداءاتها
***
آه، بلى.. أنا ادري بشذى الربيع
وأناملي تترجم حفيف السنديان
والحديقة الندية تبرح لي على- الدوام
وتدعوني إلى أن أحلم وأترنم
***
ما همني ان لم أتأمل بريق عينيها
ما همني إن لم استمتع برنين صوتها العذب
ولي يد ماهرة قادرة على التعبير
عن أعمق انفعالاتي وأروعها!
***
الفكر والعاطفة.. أنا قادرة على حبهما
كما نحب عبير زهرة شفافة
وكما نعشق لغة الصداقة الصافية
وكما تحن يد إلى يد تداعبها
***
وأنا بالعقل أرى وبالقلب أصغي!
وأحلامي تجوب العالم
ترى هل يُحسِن المبصرون دائما
التعبير عن الجمال والابتسام في حضرة الصفاء؟
***
وعندي محل السمع والبصر
ما شئتَ من صادق العواطف
ومازال فكري المتقد المرن المتفائل
يغمس ريشته في ألوان الحياة الزاخرة
***
واذا ما فتنتَ بشعر أو نغم
فلا تزهُ عليَّ
وخير للأعمى ألف مرة
أن تمد له يد دافئة
تعتقه من قفصه 

 دونما شفة مزيفة!

 

أولغا رفقة معلمها العالم سوكوليانسكي


نصيحة: اقروا الكتاب 

 ملاحظة: تجاوزوا سوء الطبعة

الجمعة، يناير 23، 2015

أوجاع الروح

عنوان الكتاب: أوجاع الروح
الكاتب: إمتياز النحال زعرب .
عدد الصفحات: 111 صفحة
تاريخ القراءة:   22 - 23 جانفي 2015
التقييم: 3 نجمات.

أوجاع الروح ثالث اصدار للكاتبة الفلسطينية "امتياز النحال زعرب" وصلني كتابها وانا استمع لاغنية جوليا بطرس "ما عم بفهم عربي... فهمني شو يعني ضمير " فما كان من الوجع الا ان يثبت نفسه في قلبي ويبدأ بالتضخم ... اذ كيف لا تتوجع الروح وهي تقرأ للوجع الفلسطيني..

في فصول قصيرة مثقلة بأحداث غزة جهدت الكاتبة في ايصال معاناة شعب بسيط اعزل.. ولم تكن المعاناة التي يعيشها سببها المحتل الصهيوني فحسب بل تآمر على هذه القطعة الأرضية المنهكة بالوجع جميع ما يحيط بها بل حتى من يعيش داخلها...
من خلال بطلة الرواية ليلى تعرج بنا الكاتبة على احداث احدى الغارات الاسرائيلية على قطاع غزة وتصور لنا معاناتها وزوجها وعائلتها وكذا جيرانها وبعض معارفها، هذا العدوان وهذا الالم يقابله صمت دولي صارخ تعودت عليه ليلى وكل من يقطن قطاع غزة، موت بالجملة، انهيارات، ذكريات تنسف، احلام تشتت، وأماني تدفن مع رفاث الشهداء... هذه هي غزة وهذه هي امتياز لا تكتب سوى الوجع...


مما اقتبست:

***


***


***

***

الخميس، يناير 22، 2015

لسان الناس لن يستقيل عن وظيفته !


لا داعي للخجل إن كنت أما او ابا لولد معاق وسمعت تعليقات كل من حولك سواء كانت تعليقات الشفقة أو التشفي ...

لا تهتمي اذا سمعتي عبارة "هم البنات للممات" من بعض ناقصات الفهم في كل مناسبة ومن دون مناسبة، وتتمني لو أن الله رزقك ذكورا بدل هذا الكم الهائل من البنات، لا تكترثي فدور العجزة تمتلئ بمن انجبن ذكورا...

لا تعذبي نفسك بإخفاء وجهك من عيون الناس الوقحة وهم يحملونك ما لم تقترفه يداك، اذا كان ابوك سكيرا، أم امك مهملة، أم كنت أم لولد عاق...

لا تتسمري أمام المرآة طويلا، أو تحاولي اظهار محاسنك والتودد لأي كان إذا وصلت سن الزواج أو تعديته قليلا، وثقي أنك أنت التي لم تجد الرجل المناسب وليس حظك عاثر أو أنك غير مرغوبة...

لا تخجلي عزيزتي التي طال انتظارها لطفل بعد زواج قارب العشر سنوات أو فاقها، لا تلومي نفسك على العقم ولا تحاولي تقديم تبريرات لأحد، لا تسمحي لأحد أن يحفر في جرحك عميقا...

لا تلم نفسك على ازدرائك من قبل اصدقائك وحتى من طرف الفتاة التي اختارها قلبك فقط لأنك فقير إبن فقير، لا تكلف نفسك فوق طاقتها لتظهر للناس أن الفقر ليس في خواء الجيوب ...

لست مضطرة لتغيير اسمك او عمرك او تاريخ عائلتك او تعطي عنوانا خطأ لشارعك أو وظيفة أرقى لوالدك أو والدتك كي تبدين في نظر الناس ابنة عائلة راقية ...

لا تخجل ان كان أحد والديك خرفا أو يتكلم أمام اصدقائك المثقفين وابناء العائلات النبيلة بلغة قروية تدور كل مواضيعها في نقاشات أكل عليها الدهر وشرب...

لا تغضب/ تغضبي إن لم تجاريهم فيما يفكرون وكنت مختلفا ظاهرا وباطنا ثم نعتوك بالمتخلف لأنك لا تلهث وتدور في قوقعتهم ...

لا تنزعج إذا كانت لديك عاهة مستدامة سواء ولدت معك او التصقت بك فيما بعد عن طريق حادث ما، جعلتك تبحث دائما عن مكان تنطوي فيه كي لا تظهر للعيان...

لا تخجل، لا تكترث، لا تحرق اعصابك، لا تنزل دموعك، لا تنأى بنفسك، دع دائما امرك لله، واترك لسان الناس يلوك ما شاء فهذه وظيفته ولا يمكن لأحد أن يجعله يستقيل...
 
إلهام مزيود: 09 ماي 2014 

الأربعاء، يناير 21، 2015

لا تصالح

عنوان القصيدة: لا تصالح 
الشاعر: أمل دنقل



(1)
لا تصالح!
ولو منحوك الذهبْ
أترى حين أفقأ عينيكَ
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..:
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما..
وكأنكما
ما تزالان طفلين!
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..
تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!



(2)
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
جئناك. كن -يا أمير- الحكم
سيقولون:
ها نحن أبناء عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا،
وأخًا،
وأبًا،
ومَلِك!


(3)
لا تصالح ..
ولو حرمتك الرقاد
صرخاتُ الندامة
وتذكَّر..
(إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة)
أن بنتَ أخيك "اليمامة"
زهرةٌ تتسربل -في سنوات الصبا-
بثياب الحداد
كنتُ، إن عدتُ:
تعدو على دَرَجِ القصر،
تمسك ساقيَّ عند نزولي..
فأرفعها -وهي ضاحكةٌ-
فوق ظهر الجواد
ها هي الآن.. صامتةٌ
حرمتها يدُ الغدر:
من كلمات أبيها،
ارتداءِ الثياب الجديدةِ
من أن يكون لها -ذات يوم- أخٌ!
من أبٍ يتبسَّم في عرسها..
وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها..
وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،
لينالوا الهدايا..
ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ)
ويشدُّوا العمامة..
لا تصالح!
فما ذنب تلك اليمامة
لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،
وهي تجلس فوق الرماد؟!


(4)
لا تصالح
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟
وكيف تصير المليكَ..
على أوجهِ البهجة المستعارة؟
كيف تنظر في يد من صافحوك..
فلا تبصر الدم..
في كل كف؟
إن سهمًا أتاني من الخلف..
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة
لا تصالح،
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ -بذؤابته- لحظاتِ الشرف
واستطبت- الترف


(5)
لا تصالح
ولو قال من مال عند الصدامْ
".. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام.."
عندما يملأ الحق قلبك:
تندلع النار إن تتنفَّسْ
ولسانُ الخيانة يخرس
لا تصالح
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟
كيف تنظر في عيني امرأة..
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟
كيف تصبح فارسها في الغرام؟
كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام
-كيف تحلم أو تتغنى بمست??بلٍ لغلام
وهو يكبر -بين يديك- بقلب مُنكَّس؟
لا تصالح
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
وارْوِ قلبك بالدم..
واروِ التراب المقدَّس..
واروِ أسلافَكَ الراقدين..
إلى أن تردَّ عليك العظام!


(6)
لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن "الجليلة"
أن تسوق الدهاءَ
وتُبدي -لمن قصدوك- القبول
سيقولون:
ها أنت تطلب ثأرًا يطول
فخذ -الآن- ما تستطيع:
قليلاً من الحق..
في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك،
لكنه ثأر جيلٍ فجيل
وغدًا..
سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،
يوقد النار شاملةً،
يطلب الثأرَ،
يستولد الحقَّ،
من أَضْلُع المستحيل
لا تصالح
ولو قيل إن التصالح حيلة
إنه الثأرُ
تبهتُ شعلته في الضلوع..
إذا ما توالت عليها الفصول..
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)
فوق الجباهِ الذليلة!


(7)
لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم
ورمى لك كهَّانُها بالنبأ..
كنت أغفر لو أنني متُّ..
ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.
لم أكن غازيًا،
لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
أو أحوم وراء التخوم
لم أمد يدًا لثمار الكروم
أرض بستانِهم لم أطأ
لم يصح قاتلي بي: "انتبه"!
كان يمشي معي..
ثم صافحني..
ثم سار قليلاً
ولكنه في الغصون اختبأ!
فجأةً:
ثقبتني قشعريرة بين ضعلين..
واهتزَّ قلبي -كفقاعة- وانفثأ!
وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ
فرأيتُ: ابن عمي الزنيم
واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم
لم يكن في يدي حربةٌ
أو سلاح قديم،
لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ



(8)
لا تصالحُ..
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:
النجوم.. لميقاتها
والطيور.. لأصواتها
والرمال.. لذراتها
والقتيل لطفلته الناظرة
كل شيء تحطم في لحظة عابرة:
الصبا - بهجةُ الأهل - صوتُ الحصان - التعرفُ بالضيف - همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي - الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ - مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ

وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة
كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة
والذي اغتالني: ليس ربًا..
ليقتلني بمشيئته
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة
لا تصالحْ
فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..
(في شرف القلب)
لا تُنتقَصْ
والذي اغتالني مَحضُ لصْ
سرق الأرض من بين عينيَّ
والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!


(9)
لا تصالحْ

ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخْ

والرجال التي ملأتها الشروخْ

هؤلاء الذين يحبون طعم الثريدْ

وامتطاء العبيدْ

هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم

وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخْ

لا تصالح
فليس سوى أن تريدْ
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيدْ
وسواك.. المسوخْ!


(10)
لا تصالح
لا تصالح



القصيدة بصوت أمل دنقل: http://www.youtube.com/watch?v=E1F0Hc-7RC4

الخميس، يناير 15، 2015

لماذا تقتل يا زيد؟


عنوان الكتاب:لماذا تقتل يا زيد.
تأليف : Jurgen Todenhofer
.
عدد الصفحات: 375 صفحة
تاريخ القراءة:   من 10 إلى 13 نوفمبر 2014.
التقييم: 4 نجمات.


و لازلت مستمرة في قراءاتي مع ما يسيله المشهد العراقي من حبر بعدما نزف ما لا يُطاق من الدم والألم.
هذه المرة كاتب أجبني يكتب العراق حسب ما رآه وحسب ما شهده وما يعتقد أنه السبيل لإيصال صوت العراق المكتوم...
الكتاب يحتوي على جزأين:
الجزء الأول وهو ممل مقارنة بجزئه الثاني، ففيه يتطرق الكاتب لرحلته الشاقة من سوريا وصولا إلى العراق بطريقته الغير شرعية لهدف شرعي وهو معاينة الوضع وتداعيات ما يسمعه من الإعلام الغربي عن كثب... اختار أن يكون منطلق بحثه وتقصيه بعيد عما يبثه الإعلام الغير محايد، هناك على ارض العراق تعرف على عدة شخصيات، هؤلاء الأشخاص تحدثوا عن أسباب لجوئهم إلى الجهاد وعن الدوافع التي حثتهم على رفع السلاح في وجه المحتل، كما أكد هؤلاء الأشخاص براءتهم مما يصنعه الإرهاب المتطرف تحت لواء الإسلام...
وكان من ابرز هؤلاء الأشخاص الفتى "زيد" الذي مثل الشاب العراقي الذي اختزل في روايته روايات ألاف الشباب المضطهد من قبل محتل كبس على حريته وحرية وطنه من جهة ومن قبل ميليشيات ومرتزقة أتت إلى العراق خصيصا لتلوث راية الجهاد...
طبعا مع كل رواية ترويها احد الشخصيات ستعيد صياغة السؤال الذي يعتبر "عنوان الكتاب" بأحد الصيغ التالية: _ ولماذا لا تريده أن يقتل يا دكتور يورجين؟
_ لماذا تقتل يا بوش؟
_ لماذا صنعت قوى الشر عصابات وتنظيما إرهابية واتت تحاربها على أرض العراق؟
_ أين النووي الذي أتيت من أجله يا أمريكي؟ وماذا لو دولة عربية مثلا "رفعت صوتها فقط" اقصد لم تتعد عليها فقط نهرتها ماذا سيكون قد حل بها؟
الإرهاب لا دين له... القتل، التشريد، الدمار، الخراب لا ينتمون لديانة محددة، إنهم أبناء الجشع حين يتزاوج مع اللا إنسانية...
****
في الجزء الثاني من هذا الكتاب وهو الجزء الأكثر تشويقا والأجود مضمونا بدأ الكاتب في البحث عن جوهر الخلاف بين الغرب والعالم الإسلامي، ولمعرفة أصول الصراع كان عليه قراءة الكتب المقدسة "القرآن، الإنجيل، والثوراة" وقد وصل حتما إلى أن "السبب الرئيسي للإرهاب في العصر الحالي هو الطريقة الغير إنسانية، التي يتعامل بها الغرب مع العالم الإسلامي منذ مئتي عام تقريبا، لا يجوز الاستمرار في احتقار الشعوب، ولن نتغلب على الإرهاب إلا إذا تعاملنا مع الدول الإسلامية بعدل وإنصاف، مثلما نريد ونحب أن يعاملنا الآخر تماما" .
وقد وضع الكاتب 10 فرضيات يمكنها أن تكون حلا للمشكل الشائك والأزلي الذي يدعى "الغرب والعالم الإسلامي" :
1 _ الغرب هو أكثر عنفا من العالم الإسلامي، ملايين المدنيين كانوا ضحايا الحقبة الاستعمارية على العالم العربي.
2_ سياسات نجار الحروب الغربيين جعلت من غير المستغرب تزايد شعبية المتطرفين المنسوبين إلى الإسلام.
3_ الإرهابيون المرتدون لعباءة الإسلام قتلة، والوصف نفسه ينطبق على القادة المتخفين بعباءة المسيحية، الذين يشنون الحروب العدوانية المنتهكة للقانون الدولي.
4_ المسلمون ليسوا أقل تسامحا من اليهود والنصارى، كما كانت لهم مساهمة كبرى في الحضارة الغربية.
5_ حب الله وحب الغير تعاليم جوهرية في الكتاب المقدس، وهي في القرآن الكريم مبادئ أساسية أيضا.
6_ معاناة السياسة الغربية تجاه العالم الإسلامي سببها الجهل المريع لأبسط الحقائق.
7 _ على الغرب معاملة العالم الإسلامي بعدالة وسخاء كما يعامل إسرائل، فالمسلمون مثل اليهود والنصارى قيمة وأهمية.
8_ على المسلمين الاقتداء بنبيهم محمد في العمل لنشر الإسلام الداعي إلى التقدم والتسامح، وعليهم أيضا حرمان الإرهابيين من استخدام قناع الدين.
9_ لا شيء يغذي الإرهاب أكثر من حرب الغرب على الإرهاب. الحروب العدوانية ليست أكثر الأعمال خسة فحسب، وإنما هي الطريقة الأقل ذكاء في مواجهة الإرهاب.
10_ المطلوب اليوم هو فن السياسة وليس فن الحرب، وبالذات في الصراع في العراق ولإيران وفلسطين.
كل الفرضيات واضحة وضوح الشمس غير أنني سأعقب قليلا على أول فرضية، لأني سأستذكر على عجل الجرائم التي افتعلها في دول شتى بحجة إحلال الديمقراطية والسلام، ليس فقط في السنوات الأخيرة بل سنوات القرن الماضي، إذ سجلت الحقبة الاستعمارية تاريخا اسودا للغرب وثورة الجزائر أحسن مثال يبرهن السجل الأسود لفرنسا من خلال استنزاف الثروات المادية والبشرية والتي دامت قرابة ال 130 سنة، لقد استخدم الاستعمار في الجزائر الغازات أكثر من مرة لإبادة قبائل كاملة.




ولكي يدمر ونتسون تشرشل الروح المعنوية العالية للعراقيين ( أثناء ثورتهم ضد الضطهاد البريطاني عام 1920) فقد قام بقصفهم بالاسحلة الكيماوية.
هذا دون الدخول في التفاصيل المتشعبة لحرب افغانستان وحتى فلسطين ولبنان لمن يمتلك ذاكرة ضعيفة فرغم المجازر المرتكبة من طرف اسرائيل غير ان الحصانة التي تمتلكها من دول الغرب جعلتها تنأ×ى بنفسها وبشعبها من مصطلح "الارهاب"..
***
وأنت تقرأ ستطرح على نفسك عدة أسئلة إضافة إلى سؤال الكاتب المحوري:
من أشعل فتيل الحرب العالمية الأولى؟ أهم المسلمون؟
من أشعل فتيلها في الثانية؟ أهم المسلمون؟
من يمتلك أسلحة دمار شامل؟ أهم المسلمون؟
من فجر في هيروشيما؟ أهم المسلمون؟
أسئلة كثير لن تسع صفحة هذا الريفيو البسيط لذكرها، غير أنك حين تنتهي من طرحها على نفسك مثلما حدث معي، ستعيد لذهنك لب الموضوع "العراق" وقد تبدأ مثلي بترديد كلمات ماجد المهندس المؤثرة:

تفرج ياعراق ويرجع لك شبابك
مشتاق لهواك أريد أحضن ترابك ..

بدينا ياعراق نبنيك ونصونك
تصير الدنيا جنه لو تضحك عيونك
بجنوبك وبشمالك الله يحميك

 بسهلك وبجبالك ألنا يخليك

الأربعاء، يناير 14، 2015

وحدها شجرة الرمان

عنوان الكتاب:وحدها شجرة الرمان.
الكاتب: سنان أنطوان .
عدد الصفحات: 280 صفحة
تاريخ القراءة:   نوفمبر 2014.
التقييم: 4 نجمات.
 
و آآآآآآآخ يا عراق

مع كل صفحة أقلبها كنت أتساءل بيني وبين نفسي: أيعقل أن تكون المهنة الحقيقية لسنان انطوان قبل اتجاهه للكتابة هي تغسيل الموتى؟؟
بعد آخر صفحة قلبتها تساءلت: كيف أمكنه تصوير الألم بهذه الصورة الموجعة لأبعد الحدود... ستجعلك فظاعة المشاهد وهول الوقائع تحس بالاختناق مع كل عبارة تقرؤها ..

طرح الكاتب في روايته هذه "وحدها شجرة الرمان" عدة قضايا، ولكن الابرز والتي وقفت عند مأساتها طويلا قضية "نحن" و"هم" التي لعب (أبطالها وبكل احترافية) الشعية والسنة دورهم بكل تفان في تدمير وتمزيق العراق قطعا تناثرت دون ان تتناثر احقاد الطائفية...

أشفقت كثيرا على كل قلب ينبض بين اضلع كل عراقي ايا كانت طائفته أيا كان دينه حتى، إنه حتما قلب مضجر بالألم أو قلب ينبض ليموت مع كل نبضة

حين فرغت من الكتاب ورغم يقيني أن ألم العراق ضرب في العمق وأن جرحه سيكون عصيا على الاندمال غير انني وجدت نفسي اردد


تفرج ياعراق ويرجع لك شبابك
مشتاق لهواك أريد أحضن ترابك ..

بدينا ياعراق نبنيك ونصونك
تصير الدنيا جنه لو تضحك عيونك
بجنوبك وبشمالك الله يحميك
بسهلك وبجبالك ألنا يخليك

الاثنين، يناير 12، 2015

انما نحن جوقة العميان

عنوان الكتاب:انما نحن جوقة العميان.
الكاتب: تركي الدخيل .
عدد الصفحات: 180 صفحة
تاريخ القراءة:   ديسمبر 2014.
التقييم: 03 نجمات.
 

كتاب بسيط ولج بي بابا كنت دائمة السؤال عنه، عن حالة المكفوفين كيف يرون الدنيا في مخيلتيهم، كيف يحسون بنا وبالعالم المحيط بهم، هل يحلمون؟ هل يفرحون؟ كيف يتألمون؟ كثيرة هي الأسئلة التي تتردد على خاطري دوما تمنيت أن اجد الاجابة الشافية في هذا الكتاب غير انه كان ضحل جدا أمام ما كنت اتوقعه منه... 
أكثر تجربة جذبتي هي تجربة المطعم الفرنسي المظلم والذي يخدمك فيه المكفوفين، هنا حبست انفاسي وبدأت اتخيل نفسي داخله مكفوفة تسيرني المكفوفة التي كانت تسير الكاتب وصديقه... 
بعد هذا الجزء تحدث تركي الدخيل مطولا عن الكفيف السعودي المخترع "مهند أبو دية" الذي تجاوز محنته وضافر من جهوده الاختراعية بدل الخنوع والاستسلام لعالم الظلام مع أنني أرى الأمر صعب جدا... فكما اخبرتني يوما صديقتي الكفوفة أنه من الأفضل أن يولد الانسان مكفوفا على أن يرى جمال الكون ، سلبياته وايجيابيته، الوانه المختلفة ثم يصاب بالعمى فيما بعد إانه لأمر صعب جدا و أغلب من حدث معهم هذا فقد عقله بسبب عدم تقبله الوضع الجديد... 
في اخر الكتاب لمستني جدا القصيدة التي كتبها الشاعر نزار قباني للأديب طه حسين، كانت رائعة ومؤثرة..


ضوءُ عينيكَ أم هما نجمتانِ
كلهم لا يَرى... وأنتَ تراني
ضوءُ عينيكَ أم حوارُ المرايا
أم هما طائران يحترقانِ
إرمِ نظارتيكَ ما أنتَ أعمى
إنما نحن جوقةُ العميانِ
أيها الأزهريُّ يا سارقَ النارِ
ويا كاسراً حدودَ الثواني
عُدْ إلينا فإن عصرَك عصرٌ
ذهبيُّ ونحن عصرٌ ثاني
سقطَ الفكرُ في النفاق السياسي
وصار الأديبُ كالبهلوانِ
عُدْ إلينا يا سيدي عُدْ إلينا
وانتشلْنا من قبضةِ الطوفانِ
أيها الغاضبُ الكبيرُ تأمل
كيف صار الكُتّاب كالخرفانِ
إن أقسى الأشياءِ للنفسِ ظلماً
قلمٌ في يد الجبانِ الجبانِ

إنني في حُمّى الحسين وفي الليل
بقايا من سورة الرحمنِ
تستبد الأحزانُ بي فأنادي
آه يا مصرَ من بني قحطانِ
حبسوا الماء عن شفاه اليتامى
وأراقوه في شفاه الغواني
يشترون القصورَ... هل ثمَّ شارٍ
لقبور الأبطال في الجولانِ
يشترون النساء... هل ثمَّ شارٍ
لدموع الأطفال في بيسانِ
يشترون الدنيا وأهل بلادي
ينكشون التراب كالديدانِ
لمن الأحمرُ المراقُ بسيناء
يحاكي شقائقَ النعمانِ
يا هوانِ الهوانِ هل أصبح النفط
لدينا أغلى من الإنسانِ
أيها الغارقونَ في نعمِ الله
ونعمى المربرباتِ الحسانِ
قد رددنا جحافلَ الرومِ عنكم
ورددنا كسرى أنو شروانِ
وحمينا محمداً وعلياً
وحفظنا كرامةَ القرآنِ
فادفعوا جزية السيوفِ عليكم
لا تعيشُ السيوفُ بالإحسانِ

الأحد، يناير 11، 2015

وصايا محمد الرطيان


عنوان الكتاب:وصايا.
الكاتب: محمد الرطيان.
عدد الصفحات: 123 صفحة
تاريخ القراءة:  25 ديسمبر 2013.
التقييم: 04 نجمات.
 

بعض الكتب تشدك شدا اليها، تجعلك تتمسك بكلماتها حتى تفرغ منها، وهذا الكتاب واحدا منها، فكلمات الرطيان التي وجهها لولده جاءت مختلفة تماما عما توقعت، نوع من البلسم الذي ينزل على الروح السكينة، كما أحببت كلماته ونصائحه التي بقيت ألجأ لها في كل مرة احس بعطش نفسي إليها...

(1)
لا تتوقع من نبتة الصبّار أن تثمر لك التفاح.
حاول أن تعرف أصل الأشياء وماضيها، كي لا يصدمك المستقبل معها!

(2)
حاول أن لا تتحدث كثيراً عندما تغضب..
حاول أن تسيطر على الكلمات، ولا تجعلها هي التي تسيطر عليك..
فأغلب الكلمات التي تُقال في لحظات الغضب هي كلمات غبيّة!

(3)
الشرف – يا ولدي – ليس في الجسد فقط، كما يظن بعض أهل الشرق!
الشرف في الكلمات، والوعد، والعمل، والحب.
لا تكن شريفاً في أمر ما، وأقل شرفاً في أمر آخر!
كن شريفاً في كل أمور حياتك.

(4)
ابتسم دائماً..
فالابتسامة: تطيل العمر، وتفتح الأبواب المغلقة، وتصنع لك
القبول قبل أن تطرح أفكارك، وتجعل ملامحك أجمل وأطيب.

(5)
لا تصدق الفقيه المسيّس..
ولا تثق بالسياسي المتفيقه.
الأول كاذب، والثاني مراوغ!

(6)
بإمكانك أن تدور العالم كله دون أن تخرج من بيتك!
بإمكانك أن تتعرف على الكثير من الشخصيات الفريدة دون أن تراهم!
بإمكانك أن تمتلك “آلة الزمن” وتسافر إلى كل الأزمنة.. رغم أنه لا وجود لهذه الآلة الخرافيّة!
بإمكانك أن تشعر بصقيع موسكو، وتشم رائحة زهور أمستردام، وروائح التوابل الهندية في بومباي، وتتجاذب أطراف الحديث مع حكيم صيني عاش في القرن الثاني قبل الميلاد!
بإمكانك أن تفعل كل هذه الأشياء وأكثر، عبر شيء واحد: القراءة.
الذي لا يقرأ.. لا يرى الحياة بشكل جيّد.
فليكن دائماً هنالك كتاب جديد بجانب سريرك ينتظر قراءتك له.

(7)
لا تحتفل لوحدك.

(8)
عندما تدخل في عراك مع أحدهم.. لا تشتم والدته..
فأسوأ الأمهات في العالم لا تستحق الشتم.
طبعاً.. هذا لا يعني أنني أدعوك لشتم والده!

(9)
لا تسخر من أحلام الناس.. مهما كانت غريبة.
ولا تتنازل عن أحلامك.. مهما كانت صعبة.
لا طعم للحياة دون أحلام.

(10)
عندما تحب.. أحب كأنك أول وآخر العشاق في هذا العالم.
وعندما تكره.. حاول أن تكره بعدل!
ولا تكن فاجراً في خصومتك.. فالنبلاء ينصفون حتى أعداءهم.
.

السبت، يناير 10، 2015

طه حسين والأيام

عنوان الكتاب: الأيام
الكاتب: طه حسين.
عدد الصفحات: 520 صفحة
تاريخ القراءة: من 30 ديسمبر إلى 02 جانفي.
التقييم: 05 نجمات.


لا يمتطى المجد من لم يركب الخطرا **** ولا ينال العـــلا مــن قــدم الحـــذرا 
ومــــن أراد العـــلا عفواً بـلا تعــب **** قضى ولم يقض من إدراكهـا وطــرا
لابـــدّ للشهـــد مــــن نحـــل يمنـعـــه **** لا يجتبي النفع من لم يحمل الضررا
لا يبلـــغ الســــؤل إلا بعــــد مؤلمـــة **** ولا يتـــم الـمنى إلا لمـــن صبــــرا
ولا ينــــال العلا إلا فتــى شــــرفــت **** خصالـــه فأطــاع الدهــــر ما أمـرا
قد تكون أبيات الشاعر العربي صفي ابن الحلي التي سبق ذكرها شرحا وفيا للمرحلة التي اختزلت حياة طه حسين منذ ميلاده حتى وفاته،
طالما سمعت عن عميد الأدب العربي وانا في مرحلتي الثانوية ولم تكن حيرتي في كيف أصبح عميدا للأدب العربي ونال هذا اللقب بقدر سؤالي الدائم عن الدروب التي سلكها ليصل إلى مبتغاه...
في كتاب "الأيام" الذي بين يدي يروي طه حسين في ثلاث فصول متتالية حياته في ثلاث مراحل، ما لفت انتباهي وشدني الى الكتاب بعدما تململت عن اكماله في البداية هو لغته الراقية، وطريقته في السرد التي لم يسبق لي قرأت في أي سيرة من سيرة العظماء...
انطلق من قرية صغيرة تعلم فيها القرآن والاغاني والتعديد والقصص وشعر الهلاليين والزيانيين وهو لم يبلغ التاسعة، والجدير بالذكر والملاحظة أن روحه كانت روحا متحدية صبورة منذ الصغر اذ انه لم يستسلم لفقدان بصره بعدما عمى بعد اصابته بالرمد وذلك الخطأ الذي وقع فيه الحلاق الذي جاء ليداويه فذهب ببصره عوضا عن ذلك...ووصل الى ما سبق ذكره وهو لم يتجاوز التاسعة
وبدون ذكر عوامل التشجيع التي تلقاها من اسرته التي كانت تسهر على متطلباته ودفعت به للكتَّاب ثم بعدها للازهر فالجامعه غير ان هذه العائلة كان اقصى ما كانت تطمح اليه من هذا الكفيف أن يعود بما يمكّنه من كسب قوته، وهذا لسان ابيه يقول مغتبطا:

 
وقد وصل إلى ما اغبط قلبه وقلب والديه وكل محبيه بعد صراع طويل مع نفسه ومع محيطه الذي لم يفرش له البساط الأحمر أو ينثر الورود على دربه:


حتى ايفاده الى فرنسا لم يكن الا بعد معاناة طالت واحلام وامال ظفر بها حينا وانكسرت احيانا أخرى،لكن تلك الانكسارات جبرتها انسانة اعادت للحياة معناها ودفعت به قدما لينال ما ينال من الدرجات التي حظي بها هناك، فكانت الصوت العذب الرقيق الذي قرأ له كل ما تهوى نفسه من روائع الأدب الفرنسي وأوليات التاريخ الروماني، وأعانته على درس اللاتينية وساعدت في تقوية فرنسيته كما ساعدته على الكتابة وتحصيل العلم فكان دورها فعالا واستمر بل زاد بعد زواجهما هذا الاهتمام، فرافقته خطوة بخطوة لتكون عيناه التي يبصر بهما..


حين فرغت من السيرة تذكرت تلك القصيدة الرائعة التي ألقاها نزار قباني في رثاء طه حسين والتي كانت خطابا ثوريا لا مثيل له: 
ضوءُ عينيكَ أم هما نجمتانِ
كلهم لا يَرى... وأنتَ تراني
ضوءُ عينيكَ أم حوارُ المرايا
أم هما طائران يحترقانِ
إرمِ نظارتيكَ ما أنتَ أعمى
إنما نحن جوقةُ العميانِ
أيها الأزهريُّ يا سارقَ النارِ
ويا كاسراً حدودَ الثواني
عُدْ إلينا فإن عصرَك عصرٌ
ذهبيُّ ونحن عصرٌ ثاني
سقطَ الفكرُ في النفاق السياسي
وصار الأديبُ كالبهلوانِ
عُدْ إلينا يا سيدي عُدْ إلينا
وانتشلْنا من قبضةِ الطوفانِ
أيها الغاضبُ الكبيرُ تأمل
كيف صار الكُتّاب كالخرفانِ
إن أقسى الأشياءِ للنفسِ ظلماً
قلمٌ في يد الجبانِ الجبانِ
إنني في حُمّى الحسين وفي الليل
بقايا من سورة الرحمنِ
تستبد الأحزانُ بي فأنادي
آه يا مصرَ من بني قحطانِ
حبسوا الماء عن شفاه اليتامى
وأراقوه في شفاه الغواني
يشترون القصورَ... هل ثمَّ شارٍ
لقبور الأبطال في الجولانِ
يشترون النساء... هل ثمَّ شارٍ
لدموع الأطفال في بيسانِ
يشترون الدنيا وأهل بلادي
ينكشون التراب كالديدانِ
لمن الأحمرُ المراقُ بسيناء
يحاكي شقائقَ النعمانِ
يا هوانِ الهوانِ هل أصبح النفط
لدينا أغلى من الإنسانِ
أيها الغارقونَ في نعمِ الله
ونعمى المربرباتِ الحسانِ
قد رددنا جحافلَ الرومِ عنكم
ورددنا كسرى أنو شروانِ
وحمينا محمداً وعلياً
وحفظنا كرامةَ القرآنِ
فادفعوا جزية السيوفِ عليكم
لا تعيشُ السيوفُ بالإحسان